البهائيّون في قطر
يؤمن البهائيّون بالرّسالة الإلهيّة الّتي بُعث بها حضرة بهاءاللّه في أواسط القرن التّاسع عشر والّتي تدعو إلى الإيمان باللّه الواحد وترى بأنّ كافّة الأديان تمثِّل حقيقة واحدة منبعها الخالق عزّ وجلّ، وبأن أبناء الجنس البشري بإختلاف أجناسهم وأعراقهم ومعتقداتهم هم في الحقيقة أعضاء عائلة إنسانيّة واحدة.
يعود إرتباط البهائيون بهذه الأرض الطيّبة الى أواسط القرن التّاسع عشر حيث عَبَرَ حضرة الباب، المبشّر بظهور حضرة بهاءاللّه، مياه الخليج في طريقه الى شبه الجزيرة العربيّة لأداء مراسم الحج ومبشّراً بظهور الرّسالة الإلهيّة الجديدة التي أتى بها لاحقاً حضرة بهاءالله. وقد تأثَّر العديد من أبناء الخليج بهذه الرسالة السّماوية الّتي تناقلوها خلال أسفارهم المستمرة بين شواطئ الخليج في تلك الحقبة من الزمن.
لا توجد سجلّات دقيقة توثِّق تلك الحركة نظراً لظروف الحياة في ذلك الوقت إلّا أنّ القرائن التّاريخية تؤكد على تواجد عوائل بهائيّة معروفة منذ النّصف الأول من القرن الماضي.
وكان البهائيّون في قطر من أوائل من مارسوا عدداً من المهن والحرف كالبناء والعمران والنجارة وغيرها مشاركين مع سائر مكونات المجتمع القطري في البرامج التنمويّة الطّموحة التي إنطلقت مع تأسيس دولة قطر الحديثة. والبهائيّون اليوم جزء من نسيج المجتمع القطري ومنخرطون في شتّى مجالات الحياة في المجتمع إنطلاقاً من حبِّهم الصّادق وولائهم لهذه الأرض الطيّبة وسعياً منهم لخدمة قاطنيها، كما ويتولى العديد من البهائيّون اليوم مهاماً ومسئوليات تنموية في مختلف القطاعات الخاصة والعامة.
صورة لأحد الأطبّاء البهائيين في عيادته في منطقة مشيرب في
عام ١٩٦٤
مجموعة من العوائل البهائية في قطر في بداية الخمسينات من القرن الماضي
صورة لمجموعة من البهائيين يشاركون مراسم دفن احد البهائيين في المقبرة البهائية في قطر عام ١٩٥٥م
الدُّعاء والمُناجاة
إضافَةً إلى الدّعاء والمناجاة، فإنّ الصّلاة في الدّين البهائيّ فريضة روحانيّة مقدّسة على كلِّ فرد بهائيّ من سنّ الخامسة عشرة ويتم أداؤها بصورةٍ فرديّة وهي بمثابة الصلة الروحيّة الّتي تربط الخلق بالخالق.
"إنّ أرقى نوع من المناجاة هو الذّي يُقصَدُ مِنهُ مَحبَّةُ اللّه، لا خوفًا مِنهُ تَعَالَى أو مِن نارِه ولا أملاً بِفَضلِهِ أو بِفِردَوسِه..."
وإيماناً بأهميّة تأثير الدُّعاء في الحياة اليوميّة وكونها بمثابة غذاء للرّوح يُداوم البهائيّون على تِلاوة الأدعية والمناجاة بصورة يوميّة كما يحرصون على مشاركة الأصدقاء والجيران من مختلف العقائد والأديان في تلاوة الآيات في أجواءٍ تسودها الخشوع والتوسّل والإبتهال ملتمسون من الحيّ القدير أن يحقّق الرقيّ الرّوحي والإزدهار الإنسانيّ.
يتفضّل حضرة عبد البهاء قائلاً:
"ليسَ هُناكَ في عالمِ الوُجودِ أحلى مِنَ الدُّعاء والمناجاة. يَجِبُ على الإنسان أن تَكونَ حياتَه جَميعُها مناجاةً ودعاء. إنّ حالةَ الدُّعاء والإبتهال هي أفضلُ الحالات. الدُّعاء هو مُخاطبة اللّه، ولا يوجد حالةٌ أعظمُ أو أحلى مِن مخاطبة اللّه، إذ إنها تَبعث الرّوحانيّات، وتثير اليقظة والإحساسات الملكوتيّة، وتجذب تأييدات الملكوت، وتولِّد قابلية أكبر للفهم والإدراك." (مترجم)
يُؤمن البهائيّون بالأهميّة القُصوى للدُّعاء والمناجاة وتأثير الكلمة الإلهيّة في الرُّقي الرُّوحي وانجذاب النفوس وإيجاد الوحدة بينهم وحثّهم على التَّعاون في حياتهم اليوميّة وحسن التعايش.
الخدمة والعبادة
"الإنسانُ اليَوم هُوَ مَنْ قامَ على خِدمَةِ جَميعِ مَن عَلَى الأَرض، طُوبَى لِمَن أصبَحَ قائِمَاً عَلَى خِدمَةِ الأُمَم."
إنَّ العِبادة والخِدمة مفهومان مهمّان في الدّين البهائيّ ويرتَبطان ببعضهما البعض إرتباطاً وثيقاً. فخدمة المجتمع إذا تمَّت بنيَّةٍ خالِصة ودون أيِّ دافع لتحقيق مآرب شخصيَّة هي بمنزلة العبادة. وفي الوقت نفسه لا يكتفي الشّخص البهائيّ بالدُّعاء والصّلاة إلى الخالق فحسب بل يسعى إلى تطبيق الكلمة الإلهيّة في حياته اليومية. فالآيات والكلمات الإلهيّة نُزّلت لتهذيب النّفوس وإرشادها نحو الصِّفات والأخلاقِ الحسنة. ولذلك فإنَّ الدُّعاء وإدراك الفرد لكلمات اللّه لا تكتمل إن لم تكن مقرونة بالعمل. ومن خلال الخدمة لمجتمعنا ووطننا نتمكَّن من تطوير قدراتنا للعمل بالتعاليم والمفاهيم المكنونة في كلمات اللّه.
ومن أبرز المجالات الّتي يحرص البهائيّون على الإهتمام بِها هي تربية الأطفال والنُشُء وغرس المبادئ الإنسانيّة السّامية التي تساهم في تنشئة أجيال تعمل من أجل بناء الوطن وخدمة المجتمع. إنّ التّربية الروحيّة وبناء القدرات الفرديّة لا تقتصر على مرحلة عمريّة معيّنة بل هي عملية مستمرة يسعى الفرد من خلالها الى تطوير ذاته ومجتمعه.
"يا إبنَ الإنسان إن تَكُن نَاظِراً إلى الفَضْلِ ضَعْ ما يَنفَعُكَ وخُذْ ما يَنتَفِعُ بِهِ العِباد، وإن تَكُن ناظِراً إلى العَدلِ إختَر لِدونِكَ ما تَختارهُ لِنَفسِك."
التعايش
"لاحظوا أزهار الحدائق على الرّغم من إختلاف أنواعها وتفاوت ألوانها وإختلاف صورها وأشكالها ولكن لأنَّها تسقى من منبع واحد وتنتعش من هبوب ريح واحد وتترعرع من حرارة وضياء شمس واحدة فإنَّ هذا التنوع والإختلاف سبب لازدياد جلال وجمال أزهار الحدائق… أمّا إذا كانت أزهار ورياحين الحديقة وأثمارها وأوراقها وأغصانها من نوع ولون واحد ومن تركيب وترتيب واحد فلا معنى ولا حلاوة له، أمّا إذا اختلفت لوناً وورقاً وزهراً وثمراً، فإنَّ في ذلك زينة وروعة للحديقة وتكون في غاية اللطافة والجمال والأناقة. وكذلك الأمر بالنسبة لتفاوت وتنوع أفكار وأشكال وآراء وطبائع وأخلاق العالم الإنساني فإنْ جاءت في ظل قوة واحدة ونفوذ واحد فإنَّها ستبدو في غاية العظمة والجمال والسمو والكمال."
لقد بات واضحاً أنَّ البشريَّة تَعيشُ فجر يومٍ جديد و تتقارب الشُّعوب يوماً بعد يوم لذا يجب أن نسعى لإزالة كل ما يعيق التزامنا بإحترام بعضنا البعض و إزالة الفروقات و إحترام القيم و الثقافات والتعايش معاً في محبة وسلام . الوصول لهذا الهدف يتطلب القبول والإيمان بأنّ روح الإنسان لا جنس له ولا عرق ولا طبقة. إنَّ التنوع والإختلاف نفسه ليس سبباً في النّزاع والصّراع وإنما نظرتنا غير الناضجة لهذا الإختلاف وعدم تسامحنا وحميّتنا هي التي تسبّب الصّراع دائماً. يتفضل حضرة عبدالبهاء:
تتميّز دولتنا الحبيبة بمجتمعها المتسم بالعالمية والحاضنة لسكانٍ من خلفيات وجنسيات وثقافات متعددة. وهذا التنوع كان دوما وما يزال مصدراً لجمال وغناء المجتمع. ورغم هذه التباينات بين سكان هذه الأرض الطيّبة الا وأن العامل المشترك بينهم جميعاً هو كونهم سكّان الأرض ومسؤولين كمواطنين لهذه الأرض ببنائها وتقدمها والتأكد من استمرار تطورها للوصول الى مرحلة التعايش السلمي.